الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

لكل ذي بدء بداية ..

“حلمت في صغري ان ازور الاسكندرية .. وأعيش في خان الخليلي .. وأعمل في الارياف .. وأتجول مع فرق السيرك والموالد !
حلمت ان أنام على الأرصفة مع الشحاذين والدراويش .. وان اتناول طعامي مع القطط والكلاب .. واخيم مع البدو الرحل وارعى معهم الاغنام ..
حلمت ان اكون من بنات بحري .. و(حرفوشة) من بنات البلد الجدعان ...وبدوية .. وفلاحة .. وصعيدية .. ونوبية جميلة بعيون كالاقمار ..” 

كنت على مايبدو  طفلة حساسة تحاول الهرب من واقع يؤلمها ..ولم تجد امامها مهرب سوى القراءة التي ادمنتها منذ ان وعت حواسها .. لنجيب محفوظ واحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم .. طفلة عاشت على خيالات  روايات هؤلاء وقصصهم وتمنت لو كانت بالف روح وجسد لتكون بطلة كل قصة وروايه .. ولتعيش كل تلك التجارب وتذهب الى كل هذه الاماكن ..
 لم يكن الخيال وحده كافيا .. ولم تكن الاحلام وحدها بقادرة على ان تشبع هذه الرغبة لدي بان اصبح كل هؤلاء .. ان اكونهم .. ان اعيش حياتهم  وقصصهم ..
 وقضيت ليال تعيسة كثيرا وانا اتخيل انني لن استطيع ان اعيش الا حياة واحدة فقط ..حياة هدى من الاسماعيلية في مصر  ! ..
الى ان اكتشفت رحلات الاربعين يوما التي اسعدني اكتشافها كثيرا وارضاني وجعلني اعيش على امل خوضها يوما ما بعد ان استطيع الاستقلال بحياتي والتخلص من كل القيود التي تحاوطني ..
***
 على خط موازي  .. “تعلقت بالسينيما والتليفزيون في طفولتي .. ولكنني بالرغم من ذلك لم استطع منع نفسي من الضيق بكل هراءهم واكاذيبهم عن حياتنا كفلاحين او كطبقة متوسطة .. فهم لايعلمون شيئا عن حياتنا .. عن لهجتنا .. عن ملابسنا .. لايعلمون شيئا عن المستجدات التي طرأت على مجتمعنا .. وبالرغم من ذلك يدعون انهم يعبرون عنا وعن واقعنا في تلك المسلسلات والافلام .. ماهذا الهراء ؟؟! .. همم يجب ان اصبح ممثلة ذات يوما لاري هؤلاء كيف هي الحقيقة ... وكيف يكون التمثيل :) .. هكذا قلت لنفسي ذات يوم وانا بالصف الاول الاعدادي ايضا على ما اذكر ..
وهكذا كبر الموضوع برأسي .. ان اصبح ممثلة .. فكرت حينها في هراءهم هذا الذي تعدى مجتمعنا الى المجتمع الصعيدي والبدوي ايضا .. فليس صعايدة المسلسلات هؤلاء هم الحج حراجي الصعيدي جارنا او سلوى صديقتي بالمدرسة ! .. وليس بدوها مثل هؤلاء البدو الذين يمرون سارحين بالاغنام او على الحمير بشوارعنا .. من اين يأتي هؤلاء بهذا الهراء .. حقا لا اعلم ! ..” 
امم ولكنني ان اردت ان اصبح ممثلة وان اعبر عن الصعايدة والبدو واهل بحري ايضا يجب ان اصبح منهم وان اعلم عنهم ومنهم الحقيقة وفقط .. كي استطيع تمثيلهم .. ولكن كيف لي بهذا ؟؟؟ .."هكذا تساءلت حينها" ..
 امم اذن فهي رحلات الاربعين يوما ولاغيرها  .. وسأخوضها مهما كلفني الأمر .. "وهكذا كان الجواب .. ولاغيره :)"
***
“لا اؤمن بتناسخ الارواح ..ولكنني اؤمن باننا نملك روح حرة واحدة .. باستطاعتها ان تكون اي شئ متى شاءت وارادت ..اؤمن بأن الله اعطانا الاختيار والارادة .. ولا اعلم ماالذي جعلنا نسجن انفسنا ونصنع القيود لارواحنا من بعد ذلك ..
و لا اعلم لما ينتظر البعض الموت حتى يتحول بروحه الى فراشة مثلا ؟! ..اظن ان باستطاعته ان يصبح فراشة لو اراد حقا :) ..
اؤمن ايضا بمعرفة الاجداد ( وليس حكمتهم فالحكمه لله وحده ) .. واؤمن بان حكمهم وامثالهم هي تجاربهم ومعارفهم .. اختذلوا خلاصتها في تلك الحكم والامثال ..
فلم يكن لديهم الكثير من الوسائل التي يستطيعون بها التعبير عن تلك المعارف .. فقد كان كثيرا منهم يجهل الكتابة .. ولم يبوءوا بوسيلة غير تلك الحكم والامثال ليعبروا بها عن معارفهم تلك ..
وعموما لا اظن ابدا ان حكمهم وامثالهم تلك مجرد كلام موزون وقوافي .. ابدا ..
اعلم بطريقة ما انها حقيقة .. اعلم بطريقة ما انها كلام علمي مجرب والا ماكانوا ليصنعوا منه قواعد لحياتهم ..
وان كان بعضها اصبح لايتلاءم اليوم مع طبيعة حياتنا فذلك لاختلاف الطبيعة والظروف ليس الا .. ولكن ليس لخطأ في الحكمة او في المثل نفسه ..
وان كان بعضها اصبح غير ملائم لنمط حياتنا اليوم .. فاغلبها كانت ومازالت ملاءمه لعصرنا ولظروفنا .. فاجدادنا عاشوا على نفس الارض وتحت نفس السماء وتعايشوا مع نفس البشر على اي حال !..
***” 
“من عاشر القوم اربعين يوم صار منهم " !
لا اعلم لما اربعين يوما بالذات ولكن في مجتمعنا يحتفلون باربعين الطفل بعد ولادته باربعين يوما .. ويعملون ليلة للمتوفي يوزعون الصدقات على روحه ويقرأون القرآن عليها بعد اربعين يوما من وفاته .. يقولون ان روحه تعود بعد هذه الاربعين لتدور حول بيته ولتطمئن علي اهله كما قالت لي عمتي ! .. بل انهم يقولون بان المتوفي يشعر باقتراب اجله قبلها باربعين يوما !
.. ايضا بعد اربعين يوم من الزواج يذهبون للعرسان بالفاكهة والطعام والحلويات .. ويقولون ان العروسة (ربعنت ) اي اتمت اربعين يوما من زواجها .. ويحزنون كثيرا لو حدث طلاق قبل هذه المدة ويقولون (ياحرام دي لسه ماربعنتش !) ..
.. اعتكاف الاربعين يوما لغرض قضاء الحاجة او بلوغ المقامات عند المتصوفين
.. الله تعالى ذكر ذلك العدد ايضا في بعض الآيات القرآنية ومنها وعده سبحانه وتعالى لموسى عليه السلام (فتم ميقات ربه أربعين ليلة) (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة ثم أتممناها بعشر) .. 
.. المسيح الدجال سيبقى اربعين يوما ...
ايضا يقولون بأن الشيطان يلازم الانسان التائب اربعين يوما حتى يحرضه على العوده عليها
ويقول بعض علماء التصوف في هذا ان الحكمة من الاربعين يوم هي ثبات اي عادة او سلوك يقوم به الانسان اذا استمر في اداءه طيلة اربعين يوما .. فإذا رغبت في اكتساب سلوك حسن تضع جدول للمران على هذا السلوك خلال اربعين يوما .. او اردت ترك عادة سيئةلديك تقوم بذلك خلال اربعين يوم .. وتلك مدة كافية لاكتشاف مدى تقدمك ..
..حتى ان ابليس يطلب من الساحر أن لا يمس الماء، وأن يبقى في خلوة لمدة أربعين يوما ! ..
.. وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك (في اربعين يوما اخرى)، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) رواه البخاري ، وهناك أيضاً حفظ الأربعين حديثاً و الإخلاص أربعين صباحاً.. وكمال العقل في سن الأربعين، والدعاء لأربعين مؤمن وأربعين ليلة أربعاء وغيرها الكثير من المواضع والموارد..
وفي ثقافة عاشوراء تطلق كلمة الاربعين على اليوم الأربعين من استشهاد الحسين بن علي عليه السلام، ويصادف لليوم العشرين من شهر صفر. وفي كربلاء تحظى مناسبة أربعين الحسين عليه السلام بمكانة متميّزة وتقيم مجاميع العزاء هناك مآتم كبرى.
.. حتى ان كتبا عدة ومدونات اتخذت من الاربعين عنوانا ورمزا .. بل وهدفا .. كرواية قواعد العشق الاربعون لاليف شافاق .. وكيف تبني شخصيتك الروحية خلال أربعين يوما لـ السيد حسين نجيب و (الأربعين النووية) !
.. ولا اعلم الحكمة في كل هذه الاربعينات صراحة .. ولكنني اثق في ديني وفي مراجعه .. ومرجعياته  .. حتى وان لم اعرف الحكمة والسبب منها .. وهذا جزء من الايمان .. الايمان المطلق .. والثقة بالله ..
كما انني اثق ايضا في معرفة الاجداد كما قلت لكم ....وليس في حكمتهم .. فهذه الاربعينات لابد وان عرفوا بفوائد لها يوما ما! .ولكنهم لم يخترعوها حكمة منهم مثلا..هكذا بدون سبب ! :) ..
لذا فلثقتي بديني وبمعرفة اجدادي  ..
 ولحاجتي بأن اثق بها صراحة في هذا الشأن حتى لا اكذب عليكم خبرا .. وذلك كي لا اعيش تعيسة طوال عمري مسلسلة بالقيود لا استطيع العيش الا في بيئة واحدة وعلى شاكلة واحدة :( ..
:)  اختمرت الفكرة واعتملت في رأسي حتى اسست ببساطة للقاعدة الاولى لرحالة الاربعين يوما منذ مايقرب من اربعة عشر عاما ..وهي .. ان اعيش مع القوم الذين ابغي ان اكون منهم 40 يوما حتى اصبح واحدة منهم تبعا لقانوني  :) .. فاعيش اربعين يوما في محافظة المنوفية كل يوما في قرية او مدينة او حي في واحد من مراكزها ..حتى اكون منوفية .. واعيش اربعين يوما مع قبيلة هوارة مثلا كل يوم في وسط عائلة من عائلاتها حتى اصبح هوارية .. واعيش اربعين يوما في امريكا .. كل يوم في ولاية  او ولايتين من ولاياتها حتى اصبح امريكية ! .. واعيش اربعين يوما في بيت من البيوت حتى اصبح من اهله .. وهكذا ..
وكلما حصلت على  اربعينات اكثر تعطيني هويات جديدة وجنسيات جديدة (بطريقة الاربعين يوما وليس عبر طريق الورق والمستندات )  اكثر كلما عاشت روحي وتحررت اكثر واكثر .. كلما شعرت بالسعادة والرضا اكثر واكثر واكثر .. كلما ساعدت البشرية وافدتها  وساعدت البشر على التواصل وعلى فهم بعضهم اكثر واكثر واكثر واكثر .... فرحالة الاربعين يوما هم حلقات الوصل بين الشعوب ..
يملكون من الفضول وحب المعرفة ما لايملكه غيرهم ..هم ايضا يبحثون عن الحقيقة ..عن الجمال ..عن الله ..
وهذه هي بداية البداية ببساطة ! :)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق