الجمعة، 8 أغسطس 2014

الطريق الى مطروح ..

بعد اسبوع من طردى من البيت قضيته في نزل متواضع بالاسماعيلية لانهاء بعض الالتزامات المعلقة ، غادرتها اخيرا الى القاهرة ..

    كنت قد بعت اللاب توب اثناء ذلك بثمن بخس ، فالى جانب اننى لم اكن انتوى من الاساس  اصطحابه معى اثناء سفرى وحيدة في مناطق نائية .. و فى ظل هذه الظروف و الازمات التى تمر بها البلاد فأعرض نفسي لخطر الاعتداء و السرقة .. ،
 و الى جانب سعيي دائما الى التخفف اثناء ارتحالى .. فالحقيقة انه لم يكن معى ليلة طردى .. جنيه واحد .. و لهذا السبب بالذات ، و فقط حملته معى منذ البداية
     و حين مغادرتى للاسماعيلية لم يكن معى من ثمنه الا اليسير ..
فقد كان على عاتقى بعض الالتزامات المالية ، الى جانب ايجار النزل و المصاريف الاخرى التى اضطررت اليها طوال ذلك الأسبوع

    و اول ما وصلت الى القاهرة مررت على (التوكيل) فأودعته كاميرتي التالفة و التى رغبت بشدة في اصطحابها معى اثناء الرحلة ..
الا انه كان لحسن حظى أن جاءت المقادير بغير ما اشتهيت في هذا الخصوص لأسباب ستحيطون بها قريبا
    بت ليلتها في نزل للشباب اعتدت المبيت فيه اثناء مرورى على القاهرة ،
و في الصباح كنت جاهزة للارتحال ..
 و لكننى لم أكن قد حددت بعد الى اين !
فمررت على (انترنت كافيه) بآخر ما تبقى لدي من جنيهات .. فالقيت نظرة سريعة على الخريطة ، وحددت وجهتى ..
و رحلت ..

                                                           *****

بمال او بدون مال استطعت دائما ان احيا !
في تلك الفترة التى استقللت فيها بحياتى
كنت .. بمال .. احيا كما يحيا البعض ..
و بدون مال .. كان عم كيمو يشكك لي السندويتشات .. مع انه يعلم جيدا اننى قد لا استطيع الدفع لأيام و اسابيع و احيانا لشهور .. هذ ان دفعت من الاساس !  ،
 ومع ذلك كان يجذبنى من ملابسي كالطفل الصغير و يلح علي في تناول ما اعده لى من سندويتشات لذيذة مذكرا اياي (مراعاة لشعورى) بأنها شكك لحد ماربنا يفرجها ، و ذلك  كلما مررت من جوار محله و انا ذاهبة صباحا او عائدة آخر النهار  من دراستى او عملى  .. من و الى سكن المغتربات الذي كنت اقطن به في تلك الايام .. بجواره
   في البداية كنت اجد حرج في ذلك .. و كنت دائما ما ابكى ..
الا انه شهر وراء شهر .. و سنة وراء سنة ..
و مع ائتناسي بتجارب و ظروف صحباتى و اصحابى من المغتربين المشابهة ..
أصبحت لا اجد غضاضة كثيرا في تشكيك الطعام من عم كيمو الطيب .. او في الاستئذان للمرور من بوابات المترو بدون تذكرة ،
 او فى شرح موقفى لكمسارى القطار او لسائق الميكروباص كي يسمحوا لى بالركوب ..
و ان لم يوافق صاحب ذلك المطعم .. و ان لم يسمح لى هذا الكمساري او ذاك السائق ..
فلا مشكلة ..
مازالت هناك قطارات اخرى ! .. و الميكروباصات كثيرة و المطاعم اكثر  ، و دائما ما كنت اجد من يوافق في النهاية ! ،
و انا حقا مثابرة في هذا الأمر :)
الا انه نادرا ماقابلتنى مشاكل بهذا الخصوص صراحة فغالبا ماكان يوافق اول صاحب مطعم او سائق ميكروباص او كمساري ، فلا اضطر الى استئذان غيره من الأساس ..
لذا فلن اشير كثيرا الى هذا الأمر بعد أن فهمتموه الآن ...
  و ذلك بالمناسبة أحد الجوانب المضيئة في مجتمعاتنا الشرقية الذكورية و التى لا يلتفت اليها غالبا ، و لا تشفع لدى كثير من دعاة المساواة .. اما جهلا او ظلما .. !
فالى جانب ما للرجل من مميزات في مجتمعاتنا ، فما عليه من التزامات و واجبات نحو المرأة أكبر كثيرا في الكم و الكيف من تلك المميزات التى يحصل عليها لكونه رجل !
و الحقيقة انه ان لم يكن لذكورية مجتمعاتنا من ميزة اخرى ..
فهذا كاف بالنسبة لى كي أنعت هؤلاء المتعنتين، ممن يطلقون على أنفسهم (دعاة حرية المرأة) بـ (دعاة ظلم المرأة)
فالمرأة في مجتمعاتنا دائما على حق .. دائما لها حقوق ، و عار على أي رجل في مجتمعنا أن يحاول تصعيب اي امر عليها حتى و لو كانت المخطئة !
فهي ضعيفة مكسورة الجناح  :)
، و هذه حقيقة علمية على فكرة و ليست مبالغة .. او قولا اريد به مكر او كيد  :) ... يعلم الله ..
فالله زاد الرجال بسطة في الجسد و الصحة و التحمل ، و ليس أقل من أن يساعدونا و يقفوا الى جوارنا ليسهلوا علينا الأمور و يذللوا لنا المصاعب ..
و الرجل الذى لا يساعد امرأة في ضائقة لجأت اليه ، و يقف الى جانبها مهما حدث .. و مهما كانت الظروف
هو رجل خال من المروءة و الشهامة ، هذا ان كان رجل اصلا!
فما حاز تلك الصفة و لا هذه الحقوق في ثقافتنا الاسلامية الا بسبب من ذلك في البداية ..
    أما نحن .. فلنا بعد كل ذلك الحق في أن ندعى كما شئنا بأننا نجحنا .. و حققنا ذاتنا .. و أثبتنا كفاءتنا ناسبين كل الفضل بعد الله عز و جل الى موهبتنا و ذكائنا و جهودنا .. دون لوم من أب أو زوج أو أخ أو مدير أو زميل أو عامل ! ...
فما فعلوه من أجلنا هو واجب عليهم في مجتمعاتنا و ليس منة !
، بل و واجب عليهم ما هو أكثر من ذلك ايضا ...
لذا .. افلا يحق لى دعوة هؤلاء المتنعرين بحرية المرأة و مساواتها بالرجل
بدعاة ظلم المرأة
هؤلاء ممن يسعون الى استلابنا كل هذه الحقوق و الميزات .. !
                                       
                                                                      *****

اذن فلكونى فتاة أي (ابنة ، ام ، اخت ، زوجة ، ...) ..
وافق على اصطحابى اول سائق ميكروباص متجه الى الأسكندرية ، حيث أن وسيلة المواصلات المفضلة لدي (القطار) كانت متوقفة على مستوى الجمهورية كلها تقريبا بأمر من قادة الانقلاب ، عدا قطارات الجيش و البريد ،
و ذلك  لقطع الطريق على المتظاهرين و الرافضين للانقلاب و لمحاصرتهم ...
وعلى ما اظن فقد تكون تلك هي المرة الأولى التى تتوقف فيها حركة القطارات في مصر كلها بهذا الشكل منذ انشائها من ايام عباس الأول و  الى الآن !

                                                                     *****

في الأسكندرية قررت ألا اواصل رحلتى الى مطروح اليوم ، فليس من الحكمة بشئ أن اواصل رحلتى ليلا و في ظروف كهذه الى مكان لم يسبق لي ان ذهبت اليه من قبل ، خصوصا و انا اعلم انه صحراء كتلك !
،  و كان ميعاد حظر التجوال على وشك فذبت عن عيون العسس و الفضوليين وسط جموع من المصطيفين ، لم تكن كثيرة كالعادة في ذلك الوقت بالاسكندرية ، و ذلك لما تمر به البلاد بالطبع ..
و أخذت ابحث عن ملجأ الى الصباح ..
عادة كنت استطيع الانتظار الى الصباح على الكورنيش او على أحد المقاهى هناك
، الا ان الحظر كان يبدأ في الواحدة بعد منتصف الليل ..
     و في الواحدة بالفعل كان الكل قد بدأ في الهروع الى جحره ، و المحلات و المقاهى  بدأت في اسدال أبوابها ..
 و كنت قد تذكرت أخيرا (نزل للشباب) كنت قد بت فيه ليلة من قبل و اعلم جيدا اننى سأجد فيه حتما مكانا الى الصباح ، فهو مكان غاية في التواضع .. صراحة مكان غاية في القذارة  :(  .. و لن يفضله الا المضطرين امثالى
ملاياته متسخة و مرقعة ، السرائر و الكراسي و الترابيزات مكسورة ، و الحوائط مليئة بالشروخ
من الآخر مكان مثالى  :) ..
لأنه كان رخيص للغاية ، الى جانب انه كان بامكانى استئذان المشرف فيه بسهولة في السماح لى بالمبيت الى الصباح
مع وعده بالمغادرة باكرا ، حيث لم يكن معى مالا ..
و حينما انتبهت من افكارى  كان الجميع قد ذهب و كانت المحلات و المقاهى  قد أغلقت بالفعل و ذهب من بها ..
و لم أعد اسمع الا صوت نفسي مدافعة و انا (أبستفها) على ما اوقعتنى فيه من روطة .. مع خلفية من أصوات ارتطام امواج البحر بالشاطئ و الصخور .. و وقع اقدام ظلال بعيدة لنفر هنا او هناك يهرعون بعيدا الى حيث جحورهم
و اخيرا لمحت على مد بصري كتيبة جيش بعرض الشارع الكبير على الكورنيش ..
و علمت ما علي فعله بالضبط  ..

                                                                  *****
ليس من مكان آمن أكثر من بيت عدوك

                                                                  *****
كانت التظاهرات يومية و قوية في ذلك الحين بكل احياء الأسكندرية .
  أدليت شفتي ببلاهة .. و أنعست عيني في براءة .. و ذهبت الى العسكري الواقف الى جوار الدبابة
،  و قلت له : هو الارهابيين ضربوا عليكوا نار انهاردة ؟؟
‘  فنفخ صدره و ابتسم قائلا : لا
، فقلت له : الحمد لله ! .. هما ضربوا عليكوا نار هنا قبل كده ؟؟
، فقال لى : لا
 -و بعد برهة من التلعثم أكمل كلامه و على وجهه ابتسامة مهزوزة مضطربة .. مصطنعة ! : و لكنهم ضربوا زملاء لنا في مواقع اخرى من قبل و ..
ازداد تلعثما
فأرحته من الادعاء و قاطعته و انا مثله اتصنع ، مدعية تصديق كلامه و كونى متفاجأة و متأثرة بما قال
و قلت : ياخبر ... ربنا يحميكم .
-(كنت أدعو بصدق حقا على اية حال ففي النهاية هو مجرد عسكرى غلبان مغرر به كالآخرين ممن أدعو الله لهم دائما بالحماية من شر مرءوسيهم الخونة .. القتلة ..
.. أي نعم كان فرعون و جنوده خاطئين .. الا ان الأمر لم يكن بالسهولة التى تمكننى أو غيرى من أن نحسم أمر مثله باعتساف حكم الآية و تعميمه في ظروف معقدة كتلك)-
.. ثم عدت أحدثه مجتذبة لأطراف الحقيقة و دون الخوض في التفاصيل .. كي لا أكون كاذبة !
 فقلت له : انا كنت جايه مطروح في شغل و لسه واصله من القاهرة و جيت ادور على سكن هنا ابات فيه للصبح لكن ما لاقيتش
و الحظر ابتدى و مافيش مواصلات ، و موش عارفه اعمل ايه  ....
ينفع اقعد معاكم هنا  لغاية ما الصبح يطلع ، و الحظر يخلص .. ؟؟
فتردد في الرد في البداية .. ثم أجابنى أخيرا بأن الأمر ليس بيده ، و أنه يجب أن يستأذن مرءوسه بخصوص ذلك اولا
.. فأخذنى الى شاويش او ما الى ذلك و الذى اخذنى بدوره الى ضابط شاب كان الأعلى رتبة في تلك اللجنة او الكتيبة على مايبدو ..
، كان الضابط يجلس مسترخيا فوق سور الكورنيش و يتحدث بمرح  الى صديق له في التليفون حينما وصلنا اليه ، فظللنا واقفين الى ان انتهى من مكالمته ، فأعدت على سمعه نفس الكلام الذي حكيته للعسكرى و الشاويش تقريبا
دون ان اطلب منه البقاء الى الصباح ، -(انتظرت ان اصرح له عن ذلك  في مرحلة أخرى بعد ملاحظة رد فعله .. و جس نبضه ! .. و معرفة ما اذا كان من الملائم طلب ذلك منه ام لا )- فأخذ حقيبتى و افرغ محتوياتها بدون اكتراث .. و أخذت الملم حاجاتى التى وقعت هنا و هناك ..
ثم أخذ يجتذب معى اطراف الحديث و يسألنى عن بلدى و عملى و دراستى
ثم سألنى اخيرا .. عما أريده الآن ؟ !
فقلت له بلهجة فيها من المرارة و السخرية ما لم استطع أن اخفيه .. -( و ذلك بعد أن اطمأننت اليه ، و علمت مما قاله لى اثناء محادثته  معى أنه متخرج فقط في العام الماضي ...  مجرد شاب عادي كأي شاب من الممكن استئناسه ! ) : موش انتوا الجيش اللي ماسك البلد .. انا جتلكم بقى عشان تتصرفولى .. اعمل ايه ؟
فنظر الي نظرة ذات مغزى ثم قال ضاحكا بمرح : عشان تعرفوا بس ! ..
كان من البحيرة .. و البحيرة اغلب اهلها من المؤيدين للشرعية .. قد يكون رأى في بنت خالة او بنت عم او قريبة ما من هؤلاء .. كما رأيت فيه ابن خالتى المؤيد للانقلاب !
فعاود الاتصال بصديقه مرة أخرى - و الذي تبين انه كان مسئولا هو الآخر عن لجنة اخرى في الجوار - سائلا اياه عن مكان فندق قريب .. و تصدر الصديق حين علم بالأمر كأبناء البلد الجدعان
 ، فجاء بسيارته مرتديا زيه الرسمي تاركا لجنته كي يقلنى الى ذلك الفندق المزعوم !
ألححت عليهم في كونى لا اريد الذهاب الى فنادق فا أنا لا املك ما يكفى من المال لذلك .. لا اريد فقط الا البقاء هنا للصباح ..
و لكنهم اوضحوا لى أن ذلك صعب ، و قد يجر عليهم المتاعب و المشاكل ...
كنت متعبة و بحاجة الى النوم فعلا .. فاستسلمت لكلامهم اخيرا و اشرت عليهم بأن يأخذونى الى ذلك النزل الذي حكيت لكم عنه من قبل .. لكونه جيد .. حكومى و آمن .. هكذا أخبرتهم .. فأخذانى الى هناك و دفعا لى شاكرين حق المبيت و الافطار بعد أن أوصوا المشرف علي !
و في الصباح الباكر كنت على الطريق الى مطروح ..





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق